Sunday, May 12, 2013

نزيف

في بيتي الصامت
أرتطم بأشيائك
فأنزف الذكريات

هايكو مصري


لن نلتقي

ليس مقدرا لنا أن نلتقي
كالليل والضحى
كشمس الظهيرة ودارة القمر في منتصف الليل
ستظل بعيدا وأظل في غياب
أظهر حين تختفي وأغرب عن الأنظار حين تعلن الحضور
لن نلتقي
فلا الشمس تسطع ليلا
ولا القمر يجرؤ على الظهور حين تضاء السماء.

Tuesday, March 19, 2013

خوف

كنت خائفا.
أنتفض كومضات ضوء نجمة بعيدة حين اقترب مني.
أمسكت بالسلاح دون أن أترك خوفي. أطلقت عليه الرصاص قبل أن يراني.
قتلت شخصا.. ثلاثة أشخاص.. سبعة.. عشرة.. إثنا عشر.. ثمانية عشر..اثنين وعشرين.. ثم توقفت عن العد.
أقتل كمن ينفض حبات الرمل عن قدميه.
يتركني الخوف فقط حين أسمع صوت الرصاص ثم يعود حين يعود الصمت.
أتحسس سلاحي... إلهي الذي وهبني الحياة وأعطاني الطريق.
تذوب برودته في عرق يدي.
مازلت خائفا.

غرق

   تحتضنها برفق قبل أن تضعها في سريرها. تترك المصباح الصغير مضاءً ناشرا خيالات متفاوتة الأحجام على الجدران. تنظر إلى صورة الزفاف المعلقة على الجدار ثم تغادر الغرفة.

   تدخل الحمام حاملة ثلاث شمعات بنفسجية. تمزج الماء الساخن بالبارد. تتأكد من حرارة الماء بأطراف أصابعها ثم تفرغ زجاجة كاملة من الصابون بعطر الغابات الممطرة. تضيف القليل من ماء الورد وبضعة حبيبات من أملاح البحر الميت ذات اللون الأرجواني.

   تقف أمام المرآه ترقب جسدها الممتلئ. تتحسس ثدييها المنتفخين... تضغطهما ببطء فتنساب على جسدها قطرات السائل الدافئ ذي اللون الأبيض من ثديها الأيسر. تتحسس أثر جرح غائر في بطنها أشرف على الالتئام. تمر بأصبعها على المجرى الذي اقتطع في جلدها لتخرج منه تلك الحياة الصغيرة التي تكونت بداخلها، تدلكه برفق وتغمره بلزوجة السائل الأبيض. تحتضن بطنها بقوة محاولة أن تلملم ترهلات اللحم في جنبيها. تغمض عينيها وتنصت إلى هدير المياه المكتوم بفعل فقاقيع الصابون الآخذة في التكوين والنمو. ترى خيالات من صور لجسدها مشدود بلا ترهلات وبطنها مصقول بلا جرح.

   تضع الشمعات على أركان الحوض وتشعلهم. تطفئ النور وتجلس على حافة الحوض منتظرة سريان رائحة اللافندر في الهواء وامتلاء الحوض. تترك رائحة اللافندر النفاذة الممزوجة برائحة الغابات الممطرة تتخلل روحها. تغلق الصنبور فيغمرها الصمت. تراقب ضوء الشمعات الثابت. تحرر شعرها من أنياب المشبك الصغير فينساب على كتفيها.

   تجلس في الماء محتضنة ركبتيها. تعتاد سخونة الماء فتترك جسدها يسترخي مفرودا داخل الحوض. تغمرها المياه الساخنة وتسيل في اندفاع مرتطمة بالأرض في صخب. تتوقف للحظات منصتة وحين تتأكد من استمرار الصمت تنزل جسدها ببطء. يرتفع الماء حتى رقبتها. تلقي نظرة أخيرة على ضوء الشمعة البنفسجية وتأخذ نفسا عميقا ثم تغمر رأسها في الماء.

   تستقر في قاع الحوض. تمكث للحظات مستمتعة بشعور الدفء على وجهها. تسمع بكاء الصغيرة يخترق الباب المغلق ويتسلل إلى روحها. تذوب دموعها في الماء الساخن وتزيد من إطباق شفتيها. تسمع صوت باب الشقة يغلق بعنف بينما يعلو بكاء الصغيرة. تسمح للماء الساخن بالمرور عبر أنفها.

Sunday, February 03, 2013

لماذا "بِريود"؟


بِريود كلمة إنجليزية تعني فترة زمنية. والكلمة لها أصل يوناني من كلمة "بِريودوس" وتعني الزمن. وفي علم اللغويات Linguistics كلمة "بِريود" تعني النقطة التي توضع في آخر الجملة لتدل على نهايتها. أما في العصر الحديث فقد صارت الكلمة تُشير إلى الدورة الشهرية، والتي تُعَد من أكبر التابوهات في عالم النساء. وكعادتنا حين نود إضفاء شيء من التقبُّل إلى غير المُتقبَّل دخلت كلمة "بِريود" إلى عالمنا الناطق بالعربية لوصف تلك الأيام.


وفي الحضارات القديمة لم تكن الدورة الشهرية من الأسرار، بل كانت واضحة للجميع كجزء أساسي من أنوثة المرأة التي ارتفعت إلى منصب الإلهة، وحكمت البلدان، واستحوذت على مكانة شديدة العلو كساحرة أو حكيمة أو عرَّافة. أما أيام النزيف في الدورة الشهرية فكانت فترة مُقدَّسة sacred time أحيطت بهالة من الإجلال، كهِبة أو مِنحة من الطبيعة أو من الآلهة للمرأة، تتسم بنشاط رُوحاني وقدرة عالية على التواصل مع الطبيعة أو الآلهة. وكان يصحب بلوغ الفتاة ونزول أول قطرات من دمائها الكثير من الاحتفالات لوصولها إلى هذه المرحلة المتطورة من الحياة.
 

ثم جاءت الأديان السماوية تحمل فكرة الإله الواحد الذكر ذي السُّلطة الأبوية المطلقة، وحرمت المرأة من ذلك التقديس لطبيعتها كأنثى. فالله مذكر، والأنبياء والرُّسل والعلماء والمفسرون رجال، والمرأة لا تصلح لهذه الأعمال، فهي الأضعف جسمانيًّا، وهي العاطفية متقلِّبة المزاج المفتقدة للعقلانية، وهي مصدر الفتنة للرِّجال، فهي الزانية إذا فاح عطرها أو بدت زينتها للعالم، وهي التي خُلِقَت من ضلع أعوج وحملت عبء الخطيئة الأولى فتعاونت مع الشيطان على غواية آدم ليأكل من الشجرة المحرمة ويطرد من الجنة، فكان أكثر اهل النار من النساء. ثم أضافت الأديان السماوية أعباءا نفسية إلى أيام النزيف، وكأن عبء الألم الشديد لا يكفي فتم إلصاق تهمة النجاسة إلى المرأة في هذه الأيام، وتم فرض عزلة دينية واجتماعية أضافت إلى العزلة النفسية والإحساس بالخجل والقذارة آلاما تفوق ألم النزيف.


ثم انتقلت الفكرة في سلاسة شديدة إلى مجتمعاتنا الذكورية التي تمجد الخجل في النساء وتنتقده في الرجال. أصبحت تلك الفترة تابوه ليس من الممكن الاقتراب منه، فيجب أن تخفيه البنت عن أبيها وأخيها بل وقد تخفيه عن زوجها إذا أمكن. فتم فرض ذلك الحصار التاريخي على هذه الأيام لتتألم المرأة في صمت. ولكن صمت المرأة يتحول إلى صخب داخلي يختفي عن أسماع العالم ويدوي فقط في جنبات النفس ليصبح صمتا أنثويا صاخبا لا يسمعه الرجال.

    في هذه المجموعة تخلَّيت عن كل ما يميز الرجال واقتربت في حذر من ذلك العالم الخفي الغامض، واستمعت واستمتعت بهذا الصخب.

 

Tuesday, January 15, 2013

30

طول عمري بحب عيد ميلادي من وأنا عيلة صغيرة. من قبل ماييجي بسنة أفضل افكر وأخطط هعمله إزاي وهعزم مين، هلبس إيه وهعمل شعري إزاي وهحط ماكياج إيه (أصل ماما كانت بتسمحلي أحط ماكياج يوم عيد ميلادي أو لما نكون رايحين فرح) وأفضل أفكر في الهدايا اللي هتجيلي. و حتى بعد ما كبرت كان بيتعملي كذا عيد ميلاد: في البيت وفي الشغل وصحابي بتوع المدرسة وشلة الجامعة. كنا بنرجع عيال تاني وبنفرج الدنيا علينا.
بس السنادي أول مرة أبقى خايفة من عيد ميلادي ومش عاوزاه ييجي. اصلي هكمل 30 سنة. معقول؟ أنا بقالي 30 سنة عايشة في الدنيا دي؟ طب راحو فين؟ بس المشكلة مش في التلاتين سنة. عمر الأرقام ما بيبقى ليها معنى. إحنا اللي بنديها المعنى ده. وأنا بصراحة خايفة من الرقم ده. العشرينات برضه بتدي إحساس إن الواحدة لسة صغيرة. لكن تلاتين...
والمشكلة كمان إني لسة ماتخطبتش. مع إن معظم صحباتي وزمايلي اللي قدي واللي أصغر مني اتخطبوا واتجوزوا وخلفوا وفيهم اللي طلقوا كمان. وأنا لسة زي ما أنا. قاعدة جنب أمي زي مابيقولوا. وأمي بقا كل ماتشوفني تتحسر عليا وعلى المأساة اللي أنا فيها. وتفضل تقطم فيا وتسمعني كلام زي السم وتفكرني بالعرسان اللي كنت برفضهم زمان. اصلي أنا كنت تنكة حبتين. ده تخين وده قصير وده بكرش وده ريحته وحشة وده عنده شنب وده حيلة أمه وده مابيحبش عبد الحليم وده عاوز ياخدني السعودية. كانت دايما تقوللي البطران آخرته قطران. ما كنتش فاهمة معنى الكلمة دي ساعتها بس دلوقتي فهمت. القطران هو اللي أنا فيه دلوقتي. أمي ودعواتها اللي مافيهاش غير إبن الحلال. وخالاتي وعماتي والطنطات اللي كل بناتهم اتجوزوا بيدعولي نفس الدعوة. لحد مابقيت بدور على ابن الحلال ده في كل حتة بس لا هو راضي ييجي ولا انا عارفة ألاقيه. وبدل ما كنت أنا اللي بتلكك وبتأمر بقيت انا اللي ماشية أدور على العريس. والله العظيم أنا من جوايا مبسوطة. أنا مش قادرة أحس إني كبرت وعجزت. بالعكس لسة حاسة إني عيلة صغيرة. بس المشكلة مش فيا. المشكلة في الناس اللي حواليا اللي محسسني إني عندي عاهة.
المشكلة الأكبر بقت في صاحباتي اللي اتجوزوا وبقوا بيخافوا مني على اجوازهم. بطلنا نخرج زي زمان وبطلوا يكلموني ويحكولي. مع إنهم لسة بيتقابلوا. بشوف صور خروجاتهم على الفيسبوك. بس ماعادوش بيقولولي أخرج معاهم زي زمان. كل صحابي دلوقتي يا إما في سني وزي حالاتي يا إما لسة صغيرين ومااتجوزوش برضه بس أول ماواحدة فيهم تتخطب بقطع معاها. ما أنا بقول تيجي مني أحسن ماتيجي منها.
النهاردة صحيت من النوم ورحت شايلة الغطا وناطة من السرير وقررت أدي الدنيا باللي فيها بالجزمة. بلا 30 بلا 40. قررت أعمل عيد ميلادي وأعزم طوب الأرض. هلبس وهتشيك وهحط ماكياج زي زمان. مزيكا وتورتة وشمع وهابي بيرس داي تو مي. وهحط الصور على الفيسبوك وهاتك يا كومنتات. وبدل ما أفضل مرعوبة من اليوم ده قبل ماييجي وبعد كده أفضل مكتئبة إنه جه هخليه يوم ماحصلش. هو مش احنا اللي بندي للأرقام معنى. أنا بقا هديله المعنى اللي أنا عايزاه. أما سي ابن الحلال اللي مش راضي ييجي ان شالله ما عن أمه جه. كل سنة وأنا طيبة.

بِريود... صمت أنثوي صاخب

كتابي الثاني... قريبا في المكتبات