Sunday, February 08, 2009

نزيف الحجر

هل من الممكن أن يقرا الإنسان كتابا واحدا يجعله يعيد النظر في شيء كان متأكدا غاية التأكد من كرهه الشديد له؟ كنت من أشد أعداء الصحراء، فحين أنطق بكلمة "صحراء" لا أجد في ذهني إلا خيالات عن الموت.. الفناء.. التيه.. العطش.. الشمس الحارقة والرمال الخانقة. وحتى حين ذهبت إلى سيوه منذ عامين جذبني جمال الواحة الكامنة كسر الحياة الأبدي في قلب الصحراء الميتة. جذبتني أشجار النخيل و تمايلها الرشيق على أنغام الرياح الصامتة، و أخذتني تلك البحيرات العذبة الصافية تتحدى قسوة الطبيعة و تنشر الحياة حولها. أما الصحراء بذاتها فلم تنل مني أي حظ من الإعجاب ولا شيء من الانبهار، حتى وقعت تحت يدي رواية "نزيف الحجر" للكاتب الليبي "إبراهيم الكوني"، والتي تدور أحداثها بالكامل في الصحراء وبالتحديد في منطقة "تسيلي" الواقعة على الحدود بين ليبيا والجزائر في أقصى الجنوب، والشهيرة بكهوفها المهولة والتي تحوي رسوما ونقوشا ترجع لما قبل التاريخ. في أسلوب أشبه بحكايات الأساطير يأخذنا" إبراهيم الكوني" في رحلة شديدة الخصوصية إلي عالم "أسوف" ذلك الشيخ المتوحد النائي بنفسه عن عالم البشر، فهو يحيى وحيدا في الصحراء، لا يأكل اللحم ولا يعاشر النساء عملا بنصيحة والده حين قال: إذا جاورت الأشرار لحقك الشر، الإنسان الذي يفضل الخير لا بد أن يهرب من الناس حتى لا يلحقه الأذى وتتسع دائرة شخوص الرواية لتشمل الحيوانات، فنعرف أن "الودَان" ليس كسائر الحيوانات يقول أبوه وكذلك أمه أن روح الودَان تجذب، تضلل،تسلب العقل،وتجرد من الإرادة،فيجد الصياد نفسه مسلوبا،منساقا،مسكونا،يتقافز على أربع ويطارده على الصخور الصماء الملساء القاسية وحين يصر أسوف أن يعرف لماذا يرفض أبوه صيد الودَان نعرف أن هناك سر أسطوري يكمن بداخل هذا الكائن المسحور: انتظر حتى هل القمر وحكى له كيف أن الودَان هو روح الجبال. كانت الصحراء الجبلية في قديم الزمان في حرب أبدية مع الصحراء الرملية. وكانت آلهة السماء تنزل إلى الأرض مع الأمطار فتفصل بين الرفيقين وتهدئ من جذوة العداوة بينهما. وما أن تغادر الآلهة ساحة المعركة و تتوقف الأمطار عن الهطول حتى تشتعل الحرب بين العدوين الخالدين. وفي يوم غضبت الآلهة في سماواتها العليا وأنزلت العقاب على المتحاربين. جمدت الجبال في "مساك صطفت" وأوقفت تقدم الرمل العنيد في "مساك ملَت". فتحايل الرمال ودخل في روح الغزلان و تحايلت الجبال من جهتها ودخلت في الودَان. ومنذ ذلك اليوم أصبح الودَان مسكونا بروح الجبال. ولكن كف الودَان والغزال عن القتال حين أرسل الله لهما عدوا آخر وهو الإنسان. والودَان لا يهرب حين يقابل صائدا من بني البشر، بل يقاوم بقوة خارقة تماثل روح الجبال الساكنة فيه، فيجتذب الصائد المحموم الى الهاوية. وحين يشارف الصياد على الموت لن ينقذه الا الودَان.. ذات الودَان الذي حاول أن يصيده. فيكون ذلك بمثابة عهد بين الودَان والإنسان.. نذر من يخونه ستعاقبه روح الجبال. أما الغزال فله قصة ترويها غزالة عجوز شهدت موت أمها لإنقاذ طفل من بني البشر ولكني أتركها لكم لتقرءوها في سطور الرواية ولتعرفوا قصة "قابيل ادم" ذلك الذي لا يشبع من اللحم ففي فمه دودة تجعله يأكل نفسه إذا لم يجد لحما يأكله. عليَ الآن أن اعترف أن هذا العمل الذي تمتزج فيه الأسطورة بالواقع ويغلف الخيال وجو الصحراء المهيب كلماته بغلالة ساحرة، جعلني أعيد النظر في الصحراء أملا في أن أرى فيها ما رآه" إبراهيم الكوني" و سطره في هذه الرواية المبدعة.

3 comments:

Anonymous said...

انصحك بقراءة المجوس لإبراهيم الكوني, فلها أسلوب خاص شديد الجاذبية

ماذا يجني الصحراوي من حياة الترحال و الشقاء إذا لم يتوج حياته بالعثور على واو و هو الذي لم يخلف أثراً يحمل اسمه, ذرية تحمي نسله من الانقراض و الزوال؟ القليلون فقط الذين ابتسمت لهم السماء و فتحت أبوابها ليدخلوا إلى واو يستطيعون أن يضحوا بالذرية و يزهدوا في نسل يحمل اسمهم من بعدهم. و غير هؤلاء القلة, فإن حاجتهم إلى حماية الأصل تفوق أي حاجة أخرى في الحياة.

-----------------

لم يكن يعلم أن من عاش مع الوحوش و رضع من حليب الذئاب هو ذئب و وحش. و لم تكن هي تعرف أن خلف هذه الكتلة القبيحة من الشعر و الأظافر يرقد قلب درويش برئ أضاع الطريق إلى واو فرضع من حليب الذئاب. لم تكن الراعية المسكينة تدري أن الإنسان مهما تاه في البرية الأبدية فلا بدّ أن يجد الطريق إلى حواء, لان المرأة هي المخلوق الوحيد الذي يستطيع أن يعيد الوحش إلى حظيرة البشر حتى لو كان درويشاً من فصيلة الذئاب.
----------------

Anonymous said...

Sounds like a very interesting novel! your descirption reminds me of Paulo Coehlo novel "The Alchemist"... its really beautful and I wonder if u read it before!

Unknown said...

Paul Coehlo can never come closer to Ibrahim Al-Koni who has got over 15 international rewards for his writings

The Animist, Almajous is d greatest novel